فصل: الحكم الأول: ما هي عدة المرأة التي لا تحيض؟

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الصابوني:

{واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر واللائي لم يحضن}
[2] أحكام العدة:

.التحليل اللفظي:

{يئسن}: اليأس: القنوط، وقيل: اليأس نقيض الرجاء.
{المحيض}: أي الحيض، يقال حاضت المرأة حيضا ومحيضا، والمحيض يكون اسما ويكون مصدرا، والحيض والمحيض: اجتماع الدم في الرحم ومنه الحوض لاجتماع الماء فيه.
{ارتبتم}: أي أشكل عليكم من الريبة أي الشك، وقيل ترددتم أو جهلتم، وقيل: تيقنتم فهو من الأضداد.
{يكفر}: أي يستر ويمحو الخطيئة، وأصل الكفر: تغطية الشيء تغطية تستهلكه.
{وجدكم}: الوجد: المقدرة والغنى واليسار والسعة والطاقة، والمقصود من سعتكم وما ملكتم، وعلى قدر طاقتكم، وقيل من مساكنكم. والوجد: يستعمل في الحزن والغضب والحب، يقال: وجدت في المال أي صرت ذا مال، ووجدت على الرجل وجدا وموجدة، ووجدت الضالة وجدانا، والوجد بالضم الغنى والقدرة يقال افتقر الرجل بعد وجد.
{وأتمروا}: افتعلوا- من الأمر- يقال ائتمر القوم وتأمروا إذا أمر بعضهم بعضا.
وقال الكسائي: وائتمروا أي تشاوروا ومنه قوله تعالى: {إن الملأ يأتمرون بك ليقتلوك} [القصص: 20].
وقول امرئ القيس:
أحار بن عمرو فؤادي خمر ** ويعدو علي المرء ما يأتمر

وحقيقته ليأمر بعضكم بعضا بمعروف أي جميل في الأجرة والإرضاع ولا يكن معاكسة ولا معاسرة.
{تعاسرتم}: أي تضايقتم، وتشاكستم، ولم يتفق الرجل والمرأة بالمشاحة من الرجل، أو طلب الزيادة من المرأة.
{ذو سعة}: السعة نقيض الضيق، والوسع، والوسع، والسعة: الجدة والطاقة، وأصل السعة وسعة فحذفت الواو ونقصت.

.المعنى الإجمالي:

بين الله سبحانه وتعالى عدة المرأة المطلقة في سورة البقرة في قوله: {والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قرواء} [البقرة: 228] فربط العدة بالحيض، وأما المرأة التي لا تحيض لكبر سنها، أو لصغرها أو لحملها، فقد جاءت هذه الآيات لتقول للمؤمنين: إذا جهلتم عدة التي يئست من المحيض وأشكل عليكم أمرها فعدتها ثلاثة أشهر، وكذلك عدة التي طلقت ولم تر الحيض ثلاثة أشهر، وأما الحامل فتنتهي بولادتها عدتها.
ومن يخشى الله في ما يفعل، أو يذر، ييسر الله له أمره، ويوفقه إلى الخير، وتلك الأحكام التي مرت في الطلاق، والعدة فرض الله، وحكمه، فرضه على الناس، ومن يتق الله بالتزام ما شرعه، والبعد عما نهى عنه يمح الله سيئاته، ويعطه في الآخرة أجرا عظيما، وثوابا كبيرا.
وعلى الرجل أن يسكن مطلقته في داره التي يسكنها على قدر طاقته، ووسعه، وليس له أن يضيق عليها، ويضارها في النفقة والسكنى ليلجئها إلى الخروج من داره.
وإذا كانت المرأة حاملا فعليه أن ينفق عليها ولو طالت مدة الحمل بعد الطلاق حتى تضع حملها، فإذا ولدت، ورضيت أن ترضع ابنها، فعلى الرجل أن يدفع لها أجر الرضاعة، وليأمر كل منهما الآخر بالمعروف في أمر الرضاع، وأجره، والحضانة ووقتها، فإن عسر الاتفاق بين الأم والأب، ولم يتوصلا إلى أمر وسط يرضيهما، فللأب حينئذ أن يفتش لابنه عمن يرضعه غير أمه.
هذا، والإنفاق على المعتدة بحسب طاقة الرجل، فإن كان غنيا فليعطها ما يلائم غناه، وإن كان فقيرا، ضيق العيش، فليس عليه أن يدفع إلا بقدر ما يستطيع فإن الله- جلت حكمته- لم يكلف الإنسان إلا بقدر ما أعطاه من الرزق، وليعلم أن حال الدنيا لا يبقى على حال، فإن الله سيجعل بعد عسر يسرا.

.سبب النزول:

1- أخرج الحاكم وصححه وابن جرير الطبري والبيهقي في سننه وجماعة:
أنها لما نزلت عدة المطلقة، والمتوفى عنها زوجها في البقرة قال أبي بن كعب: «يا رسول الله إن نساء من أهل المدينة يقلن: قد بقي من النساء ما لم يذكر فيه شيء قال: وما هو؟ قال: الصغار، والكبار، وذوات الحمل. فنزلت هذه الآية {واللائي يئسن...} الآيات».
2- وروى الواحدي والبغوي والخازن:
أنه لما نزل قوله تعالى: {والمطلقات يتربصن بأنفسهن...} [البقرة: 228] الآية، قال خلاد بن النعمان الأنصاري: يا رسول الله، فما عدة التي لا تحيض، وعدة التي لم تحض، وعدة الحبلى؟ فنزلت هذه الآية: {واللائي يئسن...}.

.وجوه القراءات:

1- قوله تعالى: {يئسن}: قرأ الجمهور {يئسن} فعلا ماضيا. وقرئ {ييئسن} بياءين مضارعا.
2- قوله تعالى: {حملهن}: قرأ الجمهور {حملهن} مفردا. وقرأ الضحاك {أحمالهن} جمعا.
3- قوله تعالى: {ويعظم}: قرأ الجمهور {يعظم} بالياء مضارع أعظم. وقرأ الأعمش {نعظم} بالنون خروجا من الغيبة للتكلم.
وقرأ ابن مقسم {يعظم} بالياء والتشديد مضارع {عظم} مشددا.
4- قوله تعالى: {من وجدكم}: قرأ الجمهور {من وجدكم} بضم الواو. وقرأ الحسن وغيره {من وجدكم} بفتحها.
وقرأ يعقوب وغيره {من وجدكم} بكسرها.
وهي لغات ثلاث بمعنى الوسع.
5- قوله تعالى: {لينفق ذو سعة}: قرأ الجمهور {لينفق} بلام الأمر.
وحكى أبو معاذ قراءة {لينفق} بلام كي ونصب القاف، ويتعلق بمحذوف تقديره (شرعنا ذلك لينفق).
6- قوله تعالى: {ومن قدر عليه رزقه}: قرأ الجمهور {قدر} مخففا.
وقرأ ابن أبي عبلة {قدر} مشدد الدال.
وقرأ أبي بن كعب {قدر} بضم القاف وتشديد الدال.

.وجوه الإعراب:

1- {واللائي يئسن} مبتدأ، خبره جملة {فعدتهن}.
2- {إن ارتبتم} شرط جوابه محذوف، تقديره فاعلموا أنها ثلاثة أشهر، والشرط وجوابه جملة معترضة.
وجوز كون {فعدتهن} إلخ جواب الشرط باعتبار الإعلام والإخبار كما قوله تعالى: {وما بكم من نعمة فمن الله} [النحل: 53] والجملة الشرطية خبر من غير حذف وتقدير.
3- قوله تعالى: {واللائي لم يحضن}:
قال الأنباري: تقديره واللائي يئسن من المحيض من نسائكم فعدتهن ثلاثة أشهر واللائي لم يحضن فعدتهن ثلاثة أشهر، إلا أنه حذف خبر الثاني لدلالة خبر الأول عليه كقولك زيد أبوه منطلق وعمرو، أي وعمرو أبوه منطلق، وهذا كثير في كلامهم.
قال أبو حيان: والأولى أن يقدر (مثل أولئك) أو (كذلك) فيكون المقدر مفردا.
وجوز عطف هذا الموصول على الموصول السابق، وجعل الخبر لهما من غير تقدير. والجملة معطوفة على ما قبلها فإعرابه مبتدأ كإعراب {واللائي يئسن}.
4- قوله تعالى: {وأولات الأحمال} مبتدأ. و{أجلهن}: مبتدأ ثان.
و{أن يضعن حملهن}: خبر المبتدأ الثاني، والمبتدأ وخبره خبر عن المبتدأ الأول.
ويجوز أن يكون {أجلهن} بدلا من {أولات} بدل الاشتمال وجملة {أن يضعن} الخبر والله أعلم.

.لطائف التفسير:

اللطيفة الأولى:
قال أبو حيان: لما كان الكلام في أمر المطلقات، وأحكامهن، من العدة وغيرها، وكن لا يطلقهن أزواجهن إلا عن بغض لهن وكراهة، جاء عقيب بعض الجمل (الأمر بالتقوى) حيث المعنى مبرزا في صورة شرط وجزاء في قوله: {ومن يتق الله...} إذ الزوج المطلق قد ينسب إلى مطلقته بعض ما يشينها، وينفر الخطاب عنها، ويوهم أنه فارقها لأمر ظهر له منها، فلذلك تكرر قوله: {ومن يتق الله} في العمل بما أنزله من هذه الأحكام، وحافظ على الحقوق الواجبة عليه من ترك الضرار، والنفقة على المعتدات... وغير ذلك مما يلزمه يرتب له تكفير السيئات، وإعظام الأجر.
اللطيفة الثانية:
قوله تعالى: {ذلك أمر الله أنزله إليكم} إشارة إلى ما ذكر من الأحكام، وما فيه من معنى البعد مع قرب العهد المشار إليه للإيذان ببعد منزلته في الفضل، وإفراد الكاف مع أن الخطاب للجمع كما يفصح عنه قوله تعالى: {أمر الله أنزله إليكم} لما أنها لمجرد الفرق بين الحاضر والمنقضي لا لتعيين خصوصية المخاطبين.
اللطيفة الثالثة:
قوله تعالى: {أسكنوهن} وما بعده استئناف، وقع جوابا عن سؤال نشأ مما قبله من الحث على التقوى في قوله: {ومن يتق الله}.
كأنه قيل: كيف يعمل بالتقوى في شأن المعتدات؟! فقيل: اسكنوهن مسكنا من حيث سكنتم.
اللطيف الرابعة: إذا كانت كل مطلقة يجب لها النفقة فما فائدة الشرط في قوله تعالى: {وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن}؟!
نقول: فائدته أن مدة الحمل ربما طال وقتها بعد الطلاق، فيظن أن النفقة تسقط إذا مضى مقدار من مدة الحمل، فنقي ذلك الظن بإثبات النفقة للحامل حتى تلد.
اللطيفة الخامسة:
في قوله تعالى: {فسترضع له أخرى} يسير معاتبة للأم إذا تعاسرت كما تقول لمن تستقضيه حاجة فيتوانى (سيقضيها غيرك وأنت ملوم).
قال اين المنبر: وخص الأم بالمعاتبة لأن المبذول من جهتها هو لبنها لولدها، وهو جهة الأب، فإنه المال المضنون به عادة، فالأم إذن أجدر باللوم، وأحق بالعتب، والمعنى ليطلب له الأب مرضعة أخرى فيظهر الارتباط بين الشرط والجزاء.

.الأحكام الشرعية:

.الحكم الأول: ما هي عدة المرأة التي لا تحيض؟

المرأة غير الحائض تشمل من بلغت سن اليأس، والصغيرة التي لم تر الحيض بعد، أما من يئست من الحيض فعدتها ثلاثة أشهر بلا خلاف، وكذا الصغيرة التي لم تحض.
واختلف في تقدير سن اليأس على أقوال عديدة:
فقدره بعض الفقهاء بستين سنة.
وقدره بعضهم بخمس وخمسين سنة.
وقيل: غالب سن يأس عشيرة المرأة.
وقيل: أقصى عادة امرأة في العالم.
وقيل: غالب سن يأس النساء في مكانها التي هي فيه، فإن المكان إذا كان طيب الهواء والماء، يبطئ فيه سن اليأس.
وأما المرأة إذا كانت تحيض ثم لم تر الحيض في عدتها ولم يدر سببه:
فقال الحنفية والشافعية: إن عدتها الحيض حتى تدخل في السن التي لا تحيض أهلها من النساء فتستأنف عدة الآيسة ثلاثة أشهر.
ونقل عن علي وعثمان، وزيد بن ثابت، وابن مسعود.
وقال مالك وأحمد: تنتظر تسعة أشهر لتعلم براءة رحمها لأن هذه المدة هي غالب مدة الحمل فإذا لم يبن الحمل فيها علم براءة الرحم، ثم تعتد بعد ذلك عدة الآيسات ثلاثة أشهر. ونقل عن عمر أنه قضى ذلك.